إعلان أعلى الموضوع


 

في أحد المكاتب جلس شخص يراقب عمله وهو يتغير أمام عينيه؛ كانت الملفات التي اعتاد إنجازها على مدار أيام، تنتهي الآن في دقائق بفضل أداة رقمية جديدة. لم يتلقَّ خطاب فصل، ولم يُطلب منه التوقف عن العمل، لكن شيئًا ما كان ينسحب بهدوء… المهام التي كانت تتطلب مهاراته وخبرته، أصبحت تتقاسمها معه آلة لا تعرف التعب ولا الخطأ. كان ذلك اليوم بداية التساؤل: هل أنا على وشك أن أُستبدل، أم أن دوري سيتحوّل إلى شيء آخر؟


هذه القصة لم تكن سوى انعكاس لما عبر عنه المشاركون في الاستبيان الذي أجريناه. حين طرحنا السؤال: "ما أول شعور يراودك عند سماع عبارة الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر؟"، جاءت الإجابات كلوحة ألوان متناقضة بين "فضول واهتمام"، كأننا أمام لعبة جديدة نريد اكتشافها، و"خوف وقلق"، كما لو أننا نسمع دقات ساعة تشير إلى نهاية حقبة، أو "إعجاب وتفاؤل"، إيمان بأن هذه التكنولوجيا قد تكون مفتاحًا لعالم أفضل.



هل بدأ الاستبدال فعلًا؟ الغالبية أكدت: "لا، الذكاء الاصطناعي يكمّل الإنسان"، وكأنهم يرون فيه مساعدًا ذكيًا لا خصمًا. لكن هناك من قال: "نعم، ولكن بشكل محدود"، وفريق آخر رأى أن الأمر يحدث "بشكل واضح" في بعض المجالات. هذا التباين يعكس أننا نعيش فترة انتقالية، حيث لا تزال الكفة متأرجحة بين التعاون والاستبدال.


عند سؤالهم عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، تكررت إجابة لافتة: "يعيد تشكيل طبيعة العمل" و"يفتح وظائف جديدة تتطلب مهارات حديثة". بمعنى آخر، الخطر ليس في فقدان العمل تمامًا، بل في الاضطرار لإعادة تعريفه. تخيل وظيفة المترجم مثلًا؛ قبل سنوات، كان يعتمد بالكامل على مهاراته اللغوية. اليوم، لديه أدوات ترجمة فورية دقيقة، لكنها تظل بحاجة إلى لمسته البشرية لفهم المعنى والسياق الثقافي. إنها نفس الوظيفة… ولكن بطريقة مختلفة تمامًا.



عندما سألنا المشاركين "هل يمكن استبدال مهارات مثل الإبداع والتعاطف البشري؟"، كانت إجابة الغالبية حاسمة: "لا، هذه مهارات بشرية خالصة". لكن فريقًا آخر كان أكثر حذرًا، مؤكدين أن التطور السريع قد يسمح للآلات بمحاكاة هذه المهارات، حتى لو لم تتقنها بشكل كامل.





وعن السيناريو الأسوأ، أي إذا استُبدلت وظيفتك فعلاً، قال كثيرون: "سأتعلم مهارة جديدة"، وآخرون: "سأبدأ مشروعًا خاصًا"، بينما لم يخفِ البعض ارتباكهم بإجابات مثل: "لا أعلم". هذه الردود تعكس روح التكيف التي قد تكون السلاح الأقوى في عصر التحولات السريعة. وهنا يبرز المعنى العميق للمثل العربي القديم "هذا ما جنت على نفسها براقش"، فالموظف أو المهنة التي ترفض التطور أو التعلم المستمر، قد تجد نفسها في موقف الاستبدال، لا لأن الآلة انتزعت مكانها بالقوة، بل لأنها لم تمنح نفسها فرصة للتطور معها.


في السؤال الأخير، طلبنا من المشاركين توجيه رسالة إلى الذكاء الاصطناعي نفسه. بعضهم اختار التعاون: "فلنعمل معًا بذكاء"، آخرون رحبوا به بحرارة: "مرحبًا بالمستقبل!"، وهناك من رفع راية التحذير: "ساعدني، ولا تستبدلني!".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل الموضوع