قبل أسبوعين،
كنت أحاول كتابة مقال عن مستقبل الإبداع في عصر الذكاء الاصطناعي. فتحت اللابتوب،
وضعت كوب الشاي بجانبي، وقلت لنفسي اليوم سأكتب شيئًا عبقريًا لكن قبل أن أكتب
أول كلمة، قفز في رأسي صوت خبيث "لماذا تتعب نفسك؟ دع GPT يكتب لك".
وبالفعل… خلال
30 ثانية كان أمامي نص مرتب، منسق، ذكي، ويبدو أفضل مما كنت سأكتبه بنفسي. لحظة
صمت… ثم فكرت "هل أنا
أذكى، أم هذه الآلة أذكى… أم أنني للتو سلمت دماغي لها؟".
وهنا بدأت القصة
الحقيقية والتساؤل هل نحن نستخدم GPT لمساعدتنا، أم أنه بدأ
يعيد تشكيل طريقة تفكيرنا دون أن نشعر؟
الانتقال من GPT-4 إلى GPT-5 لم يكن مثل تحديث تطبيق الطقس على هاتفك. نحن نتحدث عن قفزة تجعل الآلة أسرع في الفهم، أعمق في التحليل، وأكثر قدرة على محاكاة المنطق البشري. في السابق، كنت تلاحظ بسهولة أن الإجابة آلية، لكن الآن قد تجد نفسك في نقاش مع GPT-5 وتشعر أنه يعرف مزاجك، بل وربما يقرأ ما بين السطور. وهنا يكمن الخطر إذا كانت الآلة قادرة على التفكير "مثلنا" وربما "أفضل منا"، فما الذي يبقى حصريًا للعقل البشري؟
الأمر يشبه قصة
الآلة الحاسبة في البداية استخدمناها لتوفير الوقت، ثم اكتشفنا أننا نسينا كيف
نحسب 17×23 بدونها. الآن، GPT-5 يفعل الشيء نفسه لكن على مستوى أعمق: صياغة الأفكار، توليد الحجج،
كتابة المقالات، وحتى صياغة الردود في محادثاتنا اليومية. مع الوقت، قد نفقد الحدة
الإبداعية لأننا لم نعد نمارسها. وهذا التأثير لا يأتي دفعة واحدة، بل يتسرب ببطء
حتى نستيقظ يومًا ونسأل: "هل هذه فكرتي… أم فكرة الآلة؟".
البعض يرى أن GPT-5 يحررنا من الأعمال المملة
ويترك لنا الإبداع الخالص، وهذا صحيح جزئيًا. لكن هناك جانب مظلم والذي يتمثل في
النقاط التالية:
v تشابه الإبداعات إذا اعتمد
الملايين على نفس الأداة، ستتشابه النواتج، حتى لو اختلفت المواضيع.
v كسل ذهني لمَ أجهد دماغي
وأنا أملك "كاتبًا خارقًا" تحت الطلب؟
v
ضبابية الملكية إذا كانت الآلة
أنتجت النص بناءً على بياناتها، فهل الإبداع ملكي أنا… أم ملكها؟
الإبداع
الإنساني ليس فقط فكرة جديدة، بل تجربة، إحساس، ونكهة شخصية. GPT-5 يمكنه محاكاة الأسلوب،
لكنه لا يستطيع أن يعيش تجربة فشل مشروعك الأول أو فرحة نجاحك. وهذا هو خط الدفاع
الأخير أن نستخدمه كمكمل، لا كبديل. لأن اللحظة التي نسمح له فيها أن يفكر بدلًا
عنا، سنصبح مجرد محررين لنتاجات آلة لا تعرف طعم الحياة.
GPT-5 ليس ملاكًا ولا شيطانًا،
بل أداة مزدوجة الحافة. يمكن أن يدفعنا إلى قفزة إبداعية غير مسبوقة، أو يسحبنا
إلى عصر من المحتوى المتشابه والكسل العقلي. في النهاية، المعركة ليست بيننا وبين
الذكاء الاصطناعي… بل بيننا وبين راحتنا المفرطة. والسؤال هو "هل ستستخدم GPT-5 كرفيق في الإبداع، أم
كبديل لعقلك؟".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق