إعلان أعلى الموضوع


 

 د.امنية خچوري


إن التطور السريع الذي يشهده الواقع التكنولوجي ينعكس على اغلب مجالات الحياة إن لم يكن كلها، وكما للجميع، فكان للطب والتعليم الطبي حصة كبيرة من هذا التطور الذي يمثل تحدياً وفرصاً في نفس الوقت.

تحدياً من حيث الحاجة الماسة لمواكبة القدرات المتطورة للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وكيفية دمجها في الرعاية الصحية وبشكل أخلاقي يضمن المحافظة على خصوصية بيانات المرضى وحمايتهم من التحيز الخوارزمي لهذه الآلات وما تتبعها من احتمالات سوء التشخيص أو المعالجة.

وفرصاً من حيث تسهيل عمل الكوادر الصحية وتطوير الخدمة والرعاية المقدمة للمرضى، بالاضافة الى تذليل الصعوبات التي تواجه الباحثين في الاختصاصات الطبية، ونقل التجربة التعليمية الى مستوى اخر، من حيث محاكاة المرضى الافتراضيين، وتوفير بدائل تعليمية تسد الخلل الحالي من كثرة الطلبة ونقص المعلمين.

ولكن لتحقيق ذلك، نحتاج الى نظام متكامل لدمج الذكاء الاصطناعي بالتعليم الطبي، مع وضع قواعد صارمة لاستخدامه بطريقة أخلاقية. وبالرغم من التطور السريع والغير مسبوق، فإن البحوث التي تدرس هذه الظاهرة الرقمية ما زالت شحيحة وغير قابلة للتعميم.

حيث تم دراسة معرفة وسلوكيات المختصين في القطاع الصحي في إحدى مستشفيات بريطانيا على استخدام وتوظيف الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، وحتى مع المشاركة القليلة، ولكن النتائج كانت مثيرة للاهتمام. (١)

فقد تبين أن ٦٤٪؜ من المشاركين لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي او اياً من تطبيقاته، و أن ٨٧٪؜ منهم لم يعرفوا الفرق بين الذكاء الاصطناعي، تعليم الالة او التعلم العميق، وان ٤٠٪؜ منهم اعتقدوا أن الذكاء الاصطناعي سلاح أخطر حتى من الأسلحة النووية!

هذه الدراسة البسيطة والتي تمت على طبقة المختصين أظهرت هكذا نتائج، فكيف سيكون الوضع مع بقية طبقات المجتمع؟

وان التطور قادم لا محال، بل انه اصبح الواقع الحالي الذي يجب علينا التكيف معه، والمستقبل يلوح بنوع جديد من الأمية، ألا وهي الأمية الرقمية، ولكن يبقى السلاح الحقيقي هو سلاح المعرفة.

وبالفعل، فقد قامت الكثير من الدول المتقدمة بإدخال الذكاء الاصطناعي وتعليم الالة ضمن المناهج الدراسية (٢)، منها فنلندا، احدى قامات العالم في التعليم، كانت من أوائل الدول في إدخال الذكاء الاصطناعي في النظم التعليمي. وهناك استراليا، التي جعلت تدريس هذه المفاهيم اجبارياً في المدارس منذ سنة ٢٠٢٢. ثم بريطانيا، التي خصصت ميزانية مليون ونصف باوند فقط لدمج الذكاء الاصطناعي بالتعليم. وإذا كنا نتحدث عن التعليم المتطور، فلا نستطيع ان لا نذكر سنغافورة، التي استثمرت الكثير من مواردها من أجل تطوير قطاع التعليم الرقمي الحديث. وكان للدول العربية نصيب ايضاً، فتلك دولة قطر التي ومنذ بداية الثورة الرقمية نراها تسن القوانين والتشريعات وتطمح أن تكون مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي والبحث والتطوير (٣)

ومن أجل ان نضمن مكاننا في قاطرة المستقبل، يجب علينا أن نضع نحن ايضاً خطة واضحة لدمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي مع التعليم الطبي ونبدأ من المراحل الأولية، وهم الطلبة والمتعلمون في الكليات، وندرج هذه المفاهيم في المناهج التدريسية، والتعليم المستمر، من حيث الدورات التطويرية المستمرة للأطباء والعاملين في القطاعات الصحية كافة.

ولكن تحقيق ذلك يتطلب خطى تشريعية من أصحاب القرار في الهيئات التعليمية في الدولة، وتعاون مثمر بين الطلبة، والأساتذة، والمختصين في المجالات المعنية، هذا بالإضافة الى وضع نظم للمراقبة والتطوير حتى نضمن عدم تحول هذه الادوات الى ما لا يحمد عقباه.

 

المصادر:

١:

 https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/frai.2020.578983/full

 

٢: https://www.unesco.org/en/articles/unesco-releases-report-mapping-k-12-artificial-intelligence-curricula#:~:text=Based%20on%20the%20survey%20results,driven%20by%20the%20private%20sector

 

٣: https://qcai-blog.qcri.org/wp-content/uploads/2020/04/QCRI-Artificial-Intelligence-Strategy-2019-ENG.pdf

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل الموضوع