"لا تعد اختراع العجلة" يبدو أنه المبدأ الذي تتبعه بطلتنا هذه المرة، حيث تسعى بجدية لتمهيد الطريق للأجيال القادمة حتى لا يواجهوا نفس التحديات التي واجهتها في رحلتها نحو القمة. هذه هي قصة الدكتورة نادية، التي تجاوزت العقبات التقليدية وحققت إنجازات رائعة في مجال التكنولوجيا في العراق. سواء على الصعيد المهني كرئيسة قسم تقنيات أنظمة الحاسوب في المعهد التقني العمارة - الجامعة التقنية الجنوبية، أو على الصعيد التطوعي كمؤسسة نادي CoderDojo Iraq. بشغف لا ينضب للتعلم والتطوير، نجحت نادية في تحويل التحديات إلى فرص، مساهمة بذلك في تقدم مجتمعها من خلال التعليم والتكنولوجيا. قصتها تُعتبر دليلاً حياً على قوة الفرد في التأثير الإيجابي وإحداث تغيير حقيقي عندما يُسلح نفسه بالإصرار والمعرفة.
منذ صغرها،
كان حلم الدكتورة نادية علي هو دخول عالم الحاسوب، ولكن بعد إنهاء دراستها الثانوية،
وجدت نفسها ملتحقة بتخصص الطب البيطري، وهو ليس ما كانت تطمح إليه. جاء ذلك نتيجة خطأ
في ملء استمارة التقديم للجامعات، رغم أن معدلها كان يؤهلها لدراسة الهندسة وبدلاً
من الاستسلام، دعمتها والدتها، وأحضرت لها استمارة انتساب إلى كلية المنصور الجامعة
في قسم هندسة البرمجيات. في ذلك الوقت، لم تكن الجامعات الأهلية كما هي عليه اليوم،
ولكن نادية قبلت التحدي بكل شغف. اجتهدت خلال سنوات الدراسة الجامعية، وحققت حلمها
بالحصول على مقعد في برنامج الماجستير من الهيئة العراقية للحاسبات والمعلوماتية. لم
يتوقف طموحها هنا، بل حصلت على بعثة لإكمال الدكتوراه في جامعة برونيل لندن. والآن،
تواصل نادية مسيرتها الأكاديمية كرئيسة لقسم تقنيات أنظمة الحاسوب في المعهد التقني
العمارة - الجامعة التقنية الجنوبية.
واجهت
نادية العديد من التحديات كامرأة في مجال التكنولوجيا. أحد أكبر التحديات كان نقص الفرص
التدريبية في وقتها. وعلى الرغم من نجاحاتها، لا تزال تواجه تحديًا آخر يتمثل في عدم
أخذ تجاربها وآرائها بجدية، ربما بسبب تصور خاطئ عن خبرتها. لكنها لم تدع هذه الأمور
تثنيها، وهي مستمرة في العمل بجد لتثبت نفسها وتغير هذه المفاهيم.
تجربتها كرئيسة لقسم نظم الحاسوب كانت تجربة مليئة بالتحديات والفرص. صغر سنها مقارنة بزملائها أتاح لها فرصة لتطوير مهاراتها القيادية والإدارية، وزيادة ثقتها بنفسها. شاركت خبراتها مع فريقها، وأسهمت في تحسين العديد من العمليات الإدارية، وأسست لجنة التعليم الإلكتروني قبل جائحة كورونا، مما ساعدهم على التحول السريع إلى التعليم الإلكتروني عندما دعت الحاجة.
من بين المشاريع التي تشعر نادية بالفخر بها، يبرز مشروع الاستوديو الإلكتروني. كانت مؤسستهم أول من وفر لأعضاء هيئة التدريس استوديو تصوير مجهز بالكامل لدعم التعليم عن بعد خلال الجائحة. كما أنها تفخر بتأسيس منظمة "الورقة لتطوير المهارات" ونادي البرمجة "CoderDojo Iraq".
تجربة نادي البرمجة "CoderDojo" بدأت عندما كانت نادية تدرس في لندن. هناك، تطوعت في أحد نوادي البرمجة، وعند عودتها إلى العراق، شجعها ابنها على بدء نادي مماثل في ميسان. بدأت الفكرة بتدريب المدربات على تقديم دروس برمجية باستخدام منهجية التعلم باللعب. انطلق النادي في ميسان، وخلال فترة الجائحة، توسع إلى محافظات أخرى، ويستمر النادي حتى الآن في دعم الراغبين في إنشاء نوادي برمجة في المدارس أو المؤسسات المجتمعية.
ترى نادية أن تعليم البرمجة في العراق لا يزال يواجه تحديات بسبب النهج التقليدي في التعليم، الذي يركز على الحفظ والامتحانات. تؤكد على ضرورة إجراء تغيير جذري في طرق التدريس لتشجيع التفكير الإبداعي. وتعتقد أن نادي "CoderDojo" يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال من خلال تقديم الدعم والمناهج العالمية، مثل منهج الذكاء الاصطناعي الذي طورته مؤسسة Raspberry Pi ومايكروسوفت. وهو الامر الذي باشر النادي بالفعل بتنفيذه من خلال التعاون مع مديرية تربية ميسان لتدريب المدرسين على هذه المناهج.
في رسالتها للشباب والشابات الذين يرغبون في دخول مجال التكنولوجيا، تنصحهم نادية بعدم التردد في طلب المشورة والمساعدة، فذلك يوفر الكثير من الجهد والوقت. تشجعهم على التطوع والمشاركة في الأنشطة المجتمعية لبناء علاقات وشبكات في مجالهم، وتؤكد على أهمية المشاركة الفعالة في الدورات التدريبية لتحقيق أقصى استفادة، وليس فقط الحصول على الشهادات.
وفيما يتعلق بالمستقبل، تعمل نادية حاليًا على عدة مشاريع مثيرة، منها تدريب 25 شابة في محافظة ميسان على صيانة الهواتف المحمولة. تسعى من خلال هذا المشروع إلى تمكين النساء في مجال يقتصر غالبًا على الرجال، بالإضافة إلى تقليل المخاطر المرتبطة بإرسال الهواتف للإصلاح. كما أنها تخطط لفتح ورشة داخل مركزها لدعم النساء المتميزات في هذه الدورة، مما يجعلها أول حاضنة أعمال في محافظة ميسان.
ترى نادية أن التكنولوجيا تلعب دورًا حيويًا في تحسين التعليم والتنمية في المجتمعات النامية، من خلال تسهيل الوصول إلى الموارد التعليمية عبر الإنترنت، وتحسين جودة التعليم عبر الوسائل التفاعلية، وتمكين المعلمين من تقديم المناهج بطرق أكثر فعالية.
خلاصة
القول ان قصة الدكتورة نادية هي شهادة حية على قوة الإصرار والعزيمة في تحقيق الأحلام.
من خلال التزامها بالتعلم والتطوير المستمر، استطاعت تحقيق إنجازات كبيرة في مجالها
والمساهمة في تطوير مجتمعها. قصتها ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل هي دعوة للشباب والشابات
للإيمان بقدرتهم على تحقيق أحلامهم، مهما كانت الظروف. تؤكد الدكتورة نادية على أهمية
التعليم والتكنولوجيا كأدوات لتحسين الحياة وتعزيز المجتمع نحو مستقبل مشرق ومليء بالإبداع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق